قطري وارحمه : رجلين من قلب واحد : خارجين عن القانون ام طلاب حق ؟




هذه خاطرة كنت قد كتبتها منذ سنوات انشرها اليوم بمناسبة صدور رواية القرصان :
المعدان او الاعدان .. الجنوب الشرقي لقرية الخوير او خور حسان .. لا ندري من حسان هذا .. الا ان هذا المكان من الساحل الغربي لقطر كان مسرحا لاحداث عديده ولعل اهمها ارتباط هذه البقعه من شبه الجزيرة القطريه برجلين من ذات العجينة النفسيه .. الاول هو قطري بن الفجاءه ( توفي عام 697 م ) والثاني هو ارحمه بن جابر الجلاهمه ( توفي عام 1862 م) . الاعدان  هي مسقط رأس قطري ومنها انطلق الى ثورة ابت نفسه ان تخمد الا بمقتله  اما ارحمه فقد جاءها مهاجرا وانطلق منها الى ثورة اخرى وحين ابت نفسه الهزيمه فتح ذراعيه للموت في صورة دراميه تقترب من الخيال  او هكذا اراد قاتلوه ان يصوروا نهايته.
على الرغم من اختلاف اهداف ومقاصد الرجلين الا انك لا تستطيع ان تمنع نفسك من تماثل الحاله الشعوريه التي تنتابك وانت تقرأ قصيتهما على الرغم من القرون العشرة التي تفصل بين هذا وذاك .. هوة زمنيه هائلة ومكان واحد وقلب واحد . الجرأة وقوة البأس ومن ثم النهاية المفرطه في الحزن . لعل البعض لا يشعر بالتعاطف مع اي منهما فالاول خارجي المذهب والثاني قرصان او هكذا وصمه اعداءه وربما كان كل منهما ضحية الظروف التي صنعتهما .. بالتأكيد لو كان ارحمه او قطري بيننا اليوم لعدا من ارهابيي زمننا هذا . الا ان شجاعة الرجلين آسره ونهايتهما مؤلمة للنفس التواقه للعزة والكرامه .
قطري :
بايعه الخوارج فظل حاملا راية المعارضه ضد الامويين من معركة لاخرى . من اشعار قطري  نستل خلجات نفسه التي حملت لنا عبر الاجيال .  يقول قطري موجها خطابه لزوجته ام حكيم في موقعة دولاب بين الخوارج واهل البصره وهي قرية قرب اقليم   الاحواز(الاهواز) العربيه :

لعمرك إني في الحياة لزاهد
وفي العيش ما لم ألق أم حكيم
لعمرك إني يوم ألطم وجهها
عل نائبات الدهر غير حليم
ولو شهدتني يوم دولاب أبصرت
طعان فتى في الحرب غير لئيم
غداة طفت علماء بكر بن وائل
وألافها من حمير وسليم
ومال الحجازيون نحو بلادهم
وعجنا صدور الخيل نحو تميم
وكان لعبد القيس أول جدها
وولت شيوخ الأزد فهي تعوم
فلم أر يوماً كان أكثر مقعصاً
يمج دماً من فائظٍ وكليم
وضاربة خداً كريماً على متىً
أغر نجيب الأمهات كريم
أصيب بدولاب ولم تك موطناً
له أرض دولاب ودير حميم
فلو شهدتنا يوم ذاك وخيلنا
تبيح من الكفار كل حريم
رأت فتيةً باعوا الإله نفوسهم
بجنات عدن عنده ونعيم
يقول الطبري في نهاية قطري ان هذا الفارس القوي الهازئ بالدنيا وما فيها تخلى اتباعه عنه في معركته مع قائد الجيش الاموي المهلب بن ابي صفره وانه ظل مقاتلا حتى انزلقت به فرسه واصيب  , وفي تلك اللحظات تلهف قطري الى شربة ماء في الارض القفراء النائيه فاخذ علج من علوج طبرستان يساومه على ان يدفع فرسه ثمنا لاخر قطرة ماء له في هذه الدنيا فيماطله العلج وتفيض روحه فيتنافس المتنافسون في فصل راسه عن جسده وحمله الى اعداءه .
ارحمه :
هل كان قاطع طريق ؟ قرصان كما جاء ذكره في مراسلات حكومة شركة الهند الشرقيه ! . الصراعات البحريه منذ فجر التاريخ على سواحل الخليج كان يحركها محرك واحد هو السيطره على طرق التجاره بين الشرق والغرب , وقبل قدوم البرتغاليين في منتصف القرن السادس عشر الميلادي كان الخليج بحيره عربيه خالصه اتصل سكانه بالامم المجاوره من سومريين واكاديين وبابليين واشوريين وفرس ورومان . خط التجاره الكبرى سار من الشرق الاقصى وشرق افريقيا الى هرمز فموانئ الخليج فالعراق فسوريا فجنوه والبندقيه في ايطاليا الى سائر اوروبا . حقق عرب الخليج خلال عشرة قرون ونيف فوائض اقتصاديه عاليه من تجارة اللؤلؤ والحرير والعنبر والذهب والقرفه والزنجبيل والفلفل والزعفران وغيرها من كنوز الشرق , ولذا كان لابد ان يبرعوا في العلوم والصناعات المسانده للتجاره البحريه كعلم الملاحه وصناعة السفن ومن منا لا يعرف احمد بن ماجد الملاح الخليجي المشهور . بدأ اول شرخ في جسم التجارة العربيه بقدوم البرتغاليون الذين فتحوا الطريق  الى الخليج لبقية الامم الاوربيه على مدار اربعة قرون من منتصف القرن السادس عشر الى يومنا هذا .
يقول الكاتب روبرت بدول في كتاب له معلقا على "مختارات بومبي 1856 " وهي مجموعه من مراسلات شركة الهند الشرقيه ان القبطان روبرت تيلر الوكيل السياسي المساعد في البصره كانت له مصلحه ذاتيه في قمع القرصنه في الخليج حيث سبق ان خطف "قراصنة القواسم " زوجته وابنه الرضيع وتم بيعهما على تاجر بحريني بمبلغ 670 ماريا تريزا وانه استردهما بالف ماريا تريزا .
الصراعات المحليه كان هدفها السيطره على الموانئ كهرمز ولنجه وابوشهر وقشم والزباره والبصره , فهي الطريق للثراء وجباية الضرائب والمكوس التي كانت تدفع للطرف الاقليمي الاقوى في كل مرحله من مراحل تاريخ الخليج .
بعد ان دوخ ارحمه سفن الخليفيون ومن حالفهم من رعايا الانجليز" المشركين " ومن متقاعدي البحريه البرطانيه الهنود والبانيان  اولئك الذين اتاحت لهم الحكومة البريطانيه نزع السيطرة من ايدى التجار العرب على طرق التجاره برفع العلم البريطاني على صواري السفن , ظل يحارب قسمة لم يرها عادله لغنائم فتح البحرين الذي ساهم به الجلاهميون كما ساهمت به ايضا قبائل شبه الجزيرة القطريه .
ارحمه ظل مقاتلا حتى شاخ وفقد بصره الا انه لم يفقد عزيمته واصراره . يقول الريحاني في مقتل ارحمه ان الزمان والكروب اوهنت من رحمه العظم وذهبت بالبصر اما القلب الذي عشق الاخطار فلم يعتره وهن ولا نصب ولم يخمد ذلك النور الذي لا يرى شرفا في غير الشجاعة والثبات .
يقول ارحمه بعد تدمير الدرعيه على يد الاتراك بوشاية من محمد على حزينا على الدعوه السلفيه في شبه الجزيرة العربيه :
فيا أيهـا الإنسان إنك ميت            عليك بتقوى الله منها تزودا
فما أحد بالناس إلا مكافئ           ولا تحسبن الله تاركهم سدى
فلا بد مـن موقف عندربنا             حفاة عراة صاغرين كما بدا
فيسألهم والمرسلين جميعهم            يقص عليهم علم حق تأكدا
الى أن قال :
مشايخنا أحبار دين نبيهم                فمنهم تقي الدين حبر تزهدا
وقام على آثاره شيخ علمنا              امام روى التوحيد علما وسؤددا
وأطفأ نيران لشرك تجددت              بنجد فواراها هناك وأخمدا
وكان بنوه في الطريقة بعده             وأنصارهم أهل الشجاعة والندى
قياما بحمد الله في نصرة دينه           يحكمون في المشركين المهندا

Popular Posts