لا ليس الان ولكن منذ منتصف السبعينات :هل سنزايد على وطنية بعضنا البعض عندما نمارس انتخابات 2013

كان احد الاساتذه الكويتيون في جامعة الكويت يقول في منتصف الثمانينيات للقريبين من حوله  ان اثنين من مفكري الخليج سيقعان عاجلا ام آجلا في مأزق "التطبيل للحكومه " او ان الحكومات ستتمكن من شراء رأيهما او قلميهما الاول هو الدكتور عبدالله بن فهد النفيسي والاخر هو الدكتور على بن خليفه الكواري  الذين هما الان علمين من اعلام مفكري الخليج  الذين لم ينضما لقافلة "المداحين  والرداحين  والمساحين والمحللين من مثقفينا او متعلمينا " والغريب ان الاستاذ الذي اقرع اخويه بالتهم كان هو الذي حمل اللواء لمناصرة الحكومه في كل شيئ . لعب بعض المتعلمين "والمتدكتريين"  دورا خطيرا في قطر لتصويب وتحليل وتسويغ الكثير من القرارات الخاطئة والمكلفة للوطن   وقد عانينا من هؤلاء الامرين خلال عملنا في القطاع العام  عبر الثلاثين عاما الماضيه . ومثل هؤلاء  الذين يرجى منهم النصح  الامين والمشورة  الرشيده لمتخذ القرار يصدق عليهم قول الشاعر :

بالملح يصلح ما يخشى تغيره                          فكيف بالملح ان حلت به الغير

سلوك المزايدة على وطنية الآخر لمسناه في قراءتنا لبعض المحاورات  القطريه على الشبكه العنكبوتيه مرارا  ولعل مثل هذا السلوك يعبر عن غياب تيار وطني متماسك يشترك في فهمه وفي تبنيه للقضايا التنمويه الاساسيه للوطن . كنت دائما اسأل نفسي  عن سبب غياب هذه اللحمه الوطنيه واحيانا اعلل ذلك بالظروف التاريخيه التي لم تمنح الفرصه لبناء ارادة مجتمعيه واعيه متراكمه متزايده عبر الزمن .هناك من يرى ان مطالبات الاصلاح في اوائل الستينيات وما نتج عنها من هجرة لقبيلة المهانده واتفاق الحكام الخليجيين على تقويض اي عامل ضغط تمثله هذه الهجره لتعزيز بعض المطالب الاصلاحيه كان ضربة على فم طفل صغير للتو بدأ يتعلم النطق فخرس للابد . وهناك من يرى ان التوزيع الجغرافي  المتبعثر للقبائل القطريه على المدن والقرى الساحليه والاستقلالية  الاقتصاديه الذاتيه لهذه القرى ما قبل الحقبه النفطيه جعل من انصهارها الروحي بعد قيام الدوله الحديثه  لتكوين الوطن امرا ثقيلا على النفس حتى لو كانت جميع العوامل الموضوعيه تسير في ركب هذا الانصهار . وهناك من يرى اننا ابتلينا بصغر الحجم  ,البر والبشر , حتى وان حبانا الله بالموارد التي يمكن ان تستثمر لتجعل من كفاءة توزيع الدخل القومي على الاجيال القطريه المتعاقبه  رقما في قمة السحاب . صغر الحجم يجعلنا نتحلى باخلاق اهل القرى ونتبنى القيل والقال ونبنى آرائنا على الانطباعات وليس على الحقائق ونتحلى بنفسية  الغيرة والتنافس غير المحمود الذي نعبر عنه دائما في خلواتنا ومجالسنا بالحسد . اعود لتاكيد ما قلته في مقال سابق عن ضرورة الابتعاد عن  شخصنة مواقف الافراد وفرزها على اسس العلاقات القرابيه لاننا سنجد اننا في نهاية الامر متشابكون الى درجة غير متوقعه  وان الامر يتعدى نظرية " كلنا عيال نفيع " ونفيع هذا هو رجل زوج بناته من القبائل القطريه المختلفه ولانه لم يرزق بالولد فقد تأسى عندما جار الزمان عليه بغياب الولد فهبت القبائل لتقول " كلنا عيال نفيع " لاخذ حقه ممن اعتدى عليه . الامر يتعدى هذا الى اننا متربطون جينيا بدرجة غريبه والذين يحبون متابعة الانساب سيجدون نقاط اتصال كثيرة اكثرها عبر النساء , ألسن  هن المقربات المبعدات . اليوم نحن لسنا عيال نفيع بل عيال الوطن الذي يضمنا جميعا ونشترك به في مصير واحد . . لاول مرة سمعت عبارة نفيع هذه سئمتها لاني لم اكن اعرف القصة التاريخيه خلفها . ظننت ان نفيع تعنى اولئك النفعيون الذي استباحوا المال العام .خلال  تلك الثلاثين عاما صادفنا الكثير من "المداحين المساحين " الذين اخذوا بعض المشروعات الوطنيه  المخلصه الى دهاليز مظلمه تتقاطع بها دائرة النفعيه بدائرة مصلحة الوطن فتغلب الاولى على الثانيه . والدائرة النفعية تبدأ من  الترقيات الاكاديمية المفبركه لتعليق نياشين الاستاذية الى بدلات السفر وسياحة المؤتمرات الخارجيه ( ولذا لا تجد هؤلاء في مكاتبهم طول العام ) الى تطويع المؤسسات الوطنيه لتوظيف الاقارب والمحاسيب  , الى الصفقات الضخمه الخفيه من تحت المنضده  والتى حولت الكثير  من الرداحين الى وجوه مجتمع ورجال اعمال ونساء محظيات بالرضا والانضمام الى دائرة الفك والربط .  

عندما كنت ادرس السياسه والاقتصاد في جامعة الكويت كان هناك ايضا بعض من يوجهنا في دورس السياسه  الى ان المجتمعات الخليجيه هي مجتمعات تغلب عليها صفة البداوة وانها لن تنجح في تبنى الديمقراطيه ولذا فان وجود حاكم ذو رشد هو الاهم حتى وان لم يكن ديموقراطيا . كذلك ان هذه المجتمعات لم تنضج بعد وانها تحتاج لوقت طويل حتى تتعلم المبادئ الديموقراطيه , السؤال الذي كان يلح علي آنذاك هو ماهي المدة الزمنيه المطلوبه اخذا في الاعتبار وقياسا على التطور التاريخي لديموقراطية الاخرين . هذا السؤال الذي لم يحظى ابدا باجابة  شافية من الاستاذ المذكور .
اذا لم نبدأ التعلم اليوم فلن نتعلم ابدا  ولذا يجب ان يبدأ بافساح المجال لجمعيات النفع العام  على الفور وقبل بدأ الانتخابات في عام 2013  صحيح ان المدة الزمنيه قصيرة الا انها  خطوة ضروريه واساسيه لاي عمل ديموقراطي .
الامر الآخر ان الانتخابات ليست هي آخر المطاف لان المجتمع سيخوض مخاضا طويلا  في صدام طويل المدى مع " الديموقراطيه ذات المسئوليه المحدوده . ذ.م.م " والتي  يلعب بها رأس المال دورا كبيرا في شراء الاصوات وتقويض تمثيل الرأي الحقيقي للمجتمع .
اتاحت لنا الشبكه العنكبوتيه التعبير الحر عن آرائنا  ولهذا تكشف لنا  بعينة  وان كانت تميل الى الانحياز نحو مجموعة صغيرة من المجتمع الا انها تنبا عن ما يمكن ان نراه غدا من مستوى وجودة  الحوار  الديمقراطي الشوري  العام اما من المديح المفرط وكلشيهات الطنطنه على منوال " حك ظهري واحك ظهرك " او الهبوط الى المزايدات على وطنية بعضنا البعض .

Popular Posts