شيخه بنت محمد في ذمة الله

الزمان وقت ما عام 1962 ربما الخريف , الوقت الضحى "العود" كما يسميه أهل الخور كناية على التوسط مابين الصباح الباكر وساعة الظهيره , المسار الذي اخذته ركضا كما رصاصة انطلقت من جيب "التفق" الى الفضاء الواسع , قدرتي على الركض لا توصف . هذا المسار محفوظ عن ظهر قلب . بيتنا الكبير المقابل لسيف الخور حيث اقضى اغلب الوقت وبيت عمي محمد بن مسند يبتعد عن بيتنا مسافة بيتين اخرين قد تهدما اذ انها لافراد من الاسرة  قد غادروا الحياه منذ زمن ولم يعد بنائهما بعد . كنت أسرع اكثر اذا مررت بهما خوفا مما سمعت من اساطير الجن , والمخلوق الذي نسج في عقولنا الصغيره "حمارة القايله " للاطفال المتسكعون خارج منازلهم وقت الظهيره . اكاد اسمع الان دقات قلبي الصغير كلما مررت بهذين البيتين وربما كانوا ثلاثه لا اتذكر  وما بين الركض رغبة في الوصول في زمن قياسي ترجمة لطلب امي اذهبي ولا تكلمي احد في الطريق ولا يراك احد وعودي بسرعه من جهه وما بين رعب  الاساطير العجيبه التي سمعتها مرارا من العجائز من جهة اخرى اعود لتهدئة الركض عند دكة عمي الكبير اذ انه في الاقع عم لابي ثم وانحني عند الدكة المرتفعه التي يجلس عليها متوسطا زواره , حتى لا يراني الرجال وربما كانوا يرون احدداب  تقوص عمودي الفقري وانا احاول ان التزم بامر امي . وكم من مرة سمعته ينادي بصوت عال فيه خنه وشي من السخرية اللطيفه : تعالي تعالي فاصعد الدرجات الصخرية البسيطه واقف امامه فيقول ما أنجبت امك فاقول وانا في غاية الحرج من عيون الرجال التي اجتمعت علي جهمي الصغير المرتعد , وبصوت خافت جدا يكاد لا يسمع : بنت ! واحدث نفسي انا في غاية السعادة لانها بنت اخرى لامي اخت أخيرا بعد ثلاثة من الصبيان . فضحك وقال وهو مبتسم : ألهذا كنت "تتخششينحتى لا اراك , اذهبي . احب عمي الكبير هذا ففيه شيئ من القسوة الظاهره الممزوجة بالحنان الخفي . انطلقت ثانية في رحلة العدو ودخلت البيت الذي اصطفت على نواحيه الاربع غرف مبنية من الحصى والطين عدا واجهة البحر التي تبدو في ارتفاع واضح عن السيف والذي يبعد مسافة غير بعيدة عن جدار البيت . هذا البيت كان اول الجيران من الاهل وكان محور العديد من ذكريات الطفوله فهو الفضاء المكاني الآمن او الذي تراه امي آمنا اذا ان الخور وازقته وبيوتهالمتراصه حبا متراصه كانها بنيان واحد كان آمنا الخور في كل زقاق وساحه , على الاقل هذه هي الرسله التي كنا نسمعها في الاهازيج الشعبيه لمدح الخور واهله كما كان يقال " يالخور ياخويران يا مربي اليتامي " . بيت عمي يقع متوسطا ما بين بيتنا وبين الصلة الغربيه . دخلت واذا بشيخه بنت محمد الشابه اليافعه  ربما كانت حاملا بولدها محمد مرتاحة على الارض حاولت تخطيها فمنعتني وقالت استديري فهذا فأل غير حسن ان تتخطي حاملا ماذا تريدين اقتربت منها ووقفت قبالتها  واخرجت لفة مكومه من تحت ابطي وناولتها اياها وقلت لها بصوتي المبحوح الخافت وكاني اتحدث في اذنيها : هذا ثوبي "المنفف"عند الخصر انفتج وامي تريدك ان تخيطيه . 
قالت ولماذا تهمسين في اذني تحدثي بصوت عال . 
قلت : لكن امي قالت لايراك احد لا يسمعك احد 
. فضحكت واستدارت عينها في الغرفه وقالت هل يوجد احد معنا هنا ؟
قلت لا 
قالت : اذا ارفعي صوتك . 
فاعدت الكلام بصوت اكثر ثقه .
شيخه ام البنين والبنات ابنة العم التي رحلت منذ ايام تمثل جيل بدا يختفي رويدا رويدا وتختفي معه حقبه زمنيه كامله من نساء هذا الوطن . بالنسبه لي شخصيا شيخه هي جزء من طفولتي السعيده على شاطئ الخور هي الحس الهادئ المطمئن هي الاتزان النسوي والحياء وخفة الظل التي لا يشوبها نقص في المروءه . هي الانتماء الحميمي للاهل والوطن . 
زرتها قبل اسابيع من موتها وما ان اقبلت عليها حتى قالت كلمتها الشهيره التي تقولها كلما اقبلت عليها وقبل ان اسلم قالت : الله يرحم امك محد مثلها . الله يرحمك يا شيخه يا بنت عمي اسال الله ان يكون مثواك عليين .


Popular Posts