نحو "لاشخصنة المجتمع" : تنشئة المبادئ المدنية في قطر

قام احد الاخوة مشكورا بترجمة هذا الرأي في موقع آخر واضيف هنا بعض المحسنات البديعيه عليه  بتصرف مما يوضح المعنى في بعض الفقرات .  المراجع موضحه في المقال الاصلي

عُدت إلى غرفتي الصغيرة في حوالي الساعة الثالثة ظهرًا بتوقيت مدينة بانجلور من يوم الأربعاء الموافق 23 مارس. ومخالفةً لتعليمات الطبيب برمتها، مددت يدي لألتقط جهاز آي فون الموجود في الخزانة للبحث بين الرسائل النصية الإخبارية التي تُقدمها شبكة الجزيرة عن آخر تطورات الروح الديمقراطية الوليدة في العالم العربي  والتي لم يتجاوز عمرها الأربعة أشهر بعد،  الانظمة الفاسدة  تساقطت  وتفتت الواحد تلو الاخر كما تتفتت قطع البسكويت .
"هل هذا حلم ام حقيقه ؟ انه قارب الكمال فلا نشعر انه حقيقه ؟"
كان الثمن هو الدم العربي الذي  سال حتى يستفيق اولئك  الذين اعتادوا على التسلط  واللعب بمقدرات البلاد والعباد وان ينتبهوا إلى الحقائق الجديدة . التعاطف الجديد الذي رأيناه من القوى الغربيه لمناصرة الشارع العربي ضد  الدمى السلطوية التي  طال دعمهم لها.  هل هو حديث النشأة حقًا ؟ الم نره منذ سنوات في العراق ؟
تصف الكاتبه والناشطه الهنديه الحاصلة على جائزة بوكر , أرونداتي روي، اطاحة قوات التحالف الغربية بنظام صدام حسين في 2003 باسلوب ساخر وتقول "  هذا شراب الديموقراطيه  الفوري سريع الذوبان  الذي تقدمه الامبرياليه الغربيه  للآخرين : اذا ابتعت منه فنجانا ستحصل على الآخر مجانًا .(2)
أما  زبجنيو برزيزينسكي، المستشار السابق للأمن القومي الأمريكي،  وفي حديثه الذي ألقاه بمجلس كارنيجي في 2005 فيقول : "لسوء الحظ، ان  الكيفية التي عالجنا بها الوضع في العراق قد طعن في مصداقيتنا في المنطقه ."(3 ) ونصح الحكومة الأمريكية بالانتباه إلى "الصحوة السياسيه العالمية"، التي لا مفر منها والتي  بدأت تتضح بنمو نسب الشباب  بين سكان هذه الدول واندفاع هؤلاء نحو التواصل المباشر على الشبكة العنكبوتيه العالميه . وأكد على الحاجة إلى تغيير اسلوب ادارة العالم من قبل القوى الغربيه .
نحن نقول انه لا يجب بأي حال تكرار نموذج  الديموقراطيه على اسس البلقنه  في العراق . او تكرار ما حدث في دول البلقان من تفتييت للدول على اسس اثنيه ودينيه . ليست هذه هي الديموقراطيه التي ننشدها في العراق  او في أيّ من دول مجلس التعاون الخليجي أو في أي من الدول  العربية الأخرى.  ولا نريد ان تكرر القوى الغربيه  غلطتها او اسلوبها المحرج في الادارة العالميه  الذي اتبعته في العراق والذي تجاهل  توجهات  الشباب العفوي غير المسيس لايدولوجيات فكريه معينه  وعزز التوجهات المذهبيه والاثنيه ورعاها . ان هذا الاسلوب بلا شك سيوقظ  الفتن التاريخية بين أطياف المجموعات الدينية والعرقية المختلفة في المجتمع العربي. ومع حرص الحكومات الغربية على نبذ  الديمقراطية  على اسس طائفية بين شعوبها ، إلا أنها وبشكل غريب تروج لقيام هذه " الديموطائفيه "في بقية أرجاء العالم.   
حذر جوزيف مسعد، وهو أستاذ مشارك للسياسه العربية الحديثة والتاريخ الفكري العربي بجامعة كولومبيا في نيويورك، في إحدى مقالاته مؤخرا من عواقب السياسات التي تنتهجها الحكومات الغربية في العالم العربي بدعوى حماية حقوق الأقليات الدينية و ما ينتج عنه من إستثارة العنف وعدم الاستقرار في المنطقة: "لن يؤدي اضطرام مشاعر الذعر والطائفية إلا إلى مزيد من العنف دون  السلام المدني المنشود ". (4)
لقد سرنا ان نرى الشارع العربي في اغلبه   يطالب  بتطبيق  ابسط الحقوق المدنية الأساسية التي يكفلها القانون في دول العالم الاخرى  ولم يرفع الا فيما ندر اعلام  وصور الافراد والملالي والعمم .
 قراءة الانطباعات في الهند وآسيا  لما حدث في الشارع العربي تثير الاهتمام . فمنها ما كانت تغلب عليه الروح النفعية الصرفه  ونراه في لقاء بين الصحفي  براناي شارما من مجلة "أوت لوك إنديا" ورجل أعمال هندي يعمل في صناعة العطورمقيم في دبي فأباح انه : "قد لا تكون الديمقراطية في دول الخليج في مصلحة الهنود ، ان هذه النوازع الوطنيه في دول المجلس ستهدد مصالح خمسة ملايين ونصف المليون  هندي في دول مجلس التعاون الخليجي  الذين  يحولون سنويا  للهند ما يقدر ب  32 مليار دولار" (5)
في حين ينظر البعض الاخر نظرة اكثر تفائلية لتزايد الزخم الديموقراطي في المنطقه ويذهب الى ابعد من ذلك ويشجع على دور آسيوي معزز للديموقراطيه في الوطن العربي ويرى أن آسيا تمتلك خبرات في هذا المجال تستطيع نقلها لنا . في آسيا اليوم يرون ان  الإطاحة بالجبابرة  ليست هي  نهاية المطاف، حيث أن الدول الأسيوية تزخر بالكثير من النماذج التي تُطبق ديموقراطيه اسميه ، فالإطاحة فيها ببعض المتسلطين من الحكام منذ سنوات مضت أفرز عن ظهور متسلطين آخرين جدد،  أي  حلقة مغلقه من هندسة  "الانتخابات" صُممت للإبقاء على ذات الوضع الراهن . كتبت الصحفيه هنا بيتش من مجلة "تايم"  شارحة هذا الموقف قائلةً: "إن الانتخابات تُعقد، لكن شراء الأصوات يُفسد النتائج وتبقى ذات الأسر والنخب القديمة هي المسيطرة على الوضع العام  (6)
ومن جهة اخرى ترى الصحفيه هنا بيتش ان هناك بعض التجارب الأسيوية المبشرة بالخير كقدوة لنا  مثل كوريا الجنوبية وإندونيسيا، حيث أدت الإطاحة باثنين من الجبابره  الذين حكموا لمدد زمنية طويلة إلى  تغير المساروالبدء في بناء دول حديثه لبنة .. بلبنة.
في اعتقادي الشخصي  ارى القارة الهندية من بين الدول الأسيوية ذات الباع الاطول في ممارسة العمليه الانتخابيه   وقراءة هذه التجربه ودراستها  ستكون وسيلة فعالة لتحليل  ما سيقدم علينا من "دمقرطة " حسنها وسيئها.  في الهند تحظى معدلات  التصويت بنسب مرتفعة  إلا أن مؤشر نسب التصويت  غير دقيق ومضلل  اذا ان مشاركةالفرد السياسية الفعالة تستوجب وجود الثروة بين يديه واتقانه للعبه السياسيه ، وكلا العنصرين لا يتوفران  إلا في يد مجموعات النخبة.  في الهند استمرت الديمقراطية ملازمةً  ومتعايشه مع الفساد  لفترة زمنية طويلة، إلا أن حرية التعبير كانت ولا تزال حق مقدس وهناك زخم مستمر لبناء التشريعات المناهضة للفساد والمشجعة على المشاركة المدنية والدفاع عن المصالح العامة.
ان الشروط  الأساسية لبناء الديمقراطية في  اي مكان هي حرية التعبير وحرية التجمع المؤسسي  وسيادة القانون، وهي بمثابة الأركان الأساسية لبناء ديمقراطية ناجحة.
 لندرس  شرط حرية التعبير مثلا  الذي هو من بين شروط ومتطلبات تأسيس الديموقراطيه في دول المجلس  ، سنرى ان  القوانين التي تُنظم حرية التعبير في دول مجلس التعاون الخليجي تتطلب حكم محكمة أو "المثول أمام المحكمة" لاتخاذ إجراء قانوني ضد كاتب من الكتاب، إلا أن هذه المظلة القانونية لا يعمل بها في الكثير من القضايا المتعلقة بالرأي . علاوة على ذلك، يمكن للشركات أو الجهات العامة المستفيدة من ضعف وسطحية القوانين المنظمة للنشر مقاضاة الكتاب تحت بند التشهير والاساءة . وهذا ماسيضع الكتاب في اجراءات من التقاضي  تستغرق سنوات من المعاناة المالية وغير المالية مما يجعل  حرية التعبير نشاط محفوف بالمخاطر. ان تجريم الكتابة عن القضايا العامة بدعوى التشهير حسب نصوص قوانين  النشر الحاليه في دول المجلس  سيكون السيف الحاد  الدقيق الذي يغرس في  قلب تنشئة وبناء الرأي العام في المنطقة  والتي بدونه لا تتأسس  اي ديمقراطيه ذات معنى . حيث يتحتم على الكتاب إما توخي الحذر لأقصى درجة حول كتاباتهم من خلال إتباع المراقبة الذاتية  بتقمص دور الرقيب والكاتب معا أو التخلي عن الكتابة الى الابد .
وفي قطر، يُجيز قانون المطبوعات والنشر رقم 8 -  1979 تجريم ومعاقبة الكُتاب تحت بند التشهير . وبمقتضى هذا القانون، يمكن إدانة الكُتاب "بعقوبات وأحكام بالحبس بتهم التشهير والقذف، ويتضمن  القانون التحفظ على ومصادرة مواد  النشر (7).
ومن جهة اخرولسوء الحظ، فقد وصم بعض الكُتاب  في هذا المجتمع الصغير ممن  اختاروا التعبير عن أرائهم في القضايا العامة وقبلوا خوض طريق طويل وشاق للدفاع عن أنفسهم ضد المدعين بالتشهير المزعوم  بأنهم طلاب شهره  وشكك في نواياهم  مما يفرض تكلفة اجتماعية  عالية على الكاتب الذي لا  يكون مستعدا لحرب تشويه صورته العامة في المجتمع . خاصة وان  المجتمعات الصغيرة تعاني من شخصنة القضايا العامه  وتضيف الإشاعات فيها  رادع اضافي  ضد ممارسة الكتابه .
 أكد  السيد علي بن صميخ المري، رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في قطر قرب اجل صدور قانون جديد للمطبوعات  ليحل محل القانون القديم 1979 والذي مر عليه أكثر من ثلاثين عامًا. و نتسائل عن دور مركز الدوحة لحرية الإعلام  من دراسة الجوانب القانونية لحرية التعبير بين النظريه والتطبيق  في قطر. ومع تعيين ادارة جديدة له  تظل الأيادي متشابكة آملةً في وجود مبادرة لوضع قانون جديد  مطوريحل محل قانون 1979.
ومن بين الخطوات الأخرى الضرورية لحماية الكاتب، إنشاء منظمة مدنية تحمي حقوق الكُتاب وحرية التعبير والتي يكفل حمايتها الدستور القطري.
سالتني  أحدى  الباحثات في الدراسات العليا  من القطريات  عن أسباب عدم ملاحظة أي نمو في  منظمات المجتمع الوطني في قطر خلال العقود الأخيرة الماضية.  فقالت : "هل من المحتمل أن تكون القبائل قد حلت محل منظمات المجتمع المدني؟ وكانت إجابتي أن كلمة "قبيلة" أصبحت أداة تحليل مناسبة للأشخاص الذين لا يعنيهم البحث عن أداة أخرى أكثر واقعية واولئك الذين يبحثون عن حلول جاهزة ومعبئه سلفا. وأصبحت كلمة "قبيلة" شماعة لكل آفه . بل الادهى من ذلك  ان  يتم مهاجمة القبائل  بعينها وإدانتها وليس ادانة النعرات القبليه والعرقيه , ويتم نسيان ادانة المجموعات النفعيه والمصلحيه  المنحدرة من اصول قبلية وغير قبليه  مختلفة  والتي تتعاضد لانشاء مجموعات مصلحية  وشركات لجمع "الريع " الذي قد لا يكون ممكنا  في الاسواق التنافسيه المفتوحه للجميع .
في الحقيقة ان  المحركات المجتمعيه في قطر  اصبحت بمرور الوقت تخضع لمجموعة جديدة من المتغيرات لا يمثل التضامن القبلي من بينها سوى مرتكز ضعيف. وإذا واصلت طالبة الدراسات العليا توضيح هذه الديناميكيات، فقد يكون لدينا إجابة على هذا السؤال.
 أخبرني أحد المستثمرين الأجانب، السيد/ سمارت، ذات مرة على أنه مرتبك جدًا بشأن "من يمثل من في قطر؟"، حيث قد تكون بعض "الأسماء القبلية الرنانة" ليست رنانه على الاطلاق  حيث تتوقع منها تسهيل أعمالك التجارية في حين ان أن بعض "الأسماء غير الرنانه" تملك مفاتيح التيسسير والتسيير لأعمالك ومصالحك . وقال سمارت انه في تعاملاته التجاريه اصبح اكثر حذرا  لأنه لايعرف عندما يتعامل مع الاخرين  بمن يرتبط هذا الاخر من حيث القرابة او المصالح .
وأجبته، "قطر دولة صغيرة وكلنا تجمعنا صلات متشابكه" .
و في نفسي لم أكن أعني مطلقًا التشابك القرابي القائم على وحدة الدم  اوالترابط القبلي ، بل التشابك الشخصي المرتبط بالمصلحة  المادية والذي اصبح اقوى من اي قبيله .
قمت بزيارة إحدى معارفي منذ شهرين لتقديم واجب العزاء في وفاة والدتها. وعلى عكس روح الحدث، بدأت تسألني بشكل هستيري عن عدد من القضايا العامة كما لو كُنتُ أُمثل جهات حكومية مسؤولة عن تلك الأمور لانه قد  تجمعني صلة قرابة بشخص يشغل منصب عام . ولم تستطع السيدة التي قد تربطها صلة قرابة أو مصاهرة بأشخاص يشغلون مناصب عامة مهمة , الفصل بين ما هو شخصي وما هو عام وانه عندما نتحدث عن القضايا العامة يجب ان ننظر الى مواقفنا الفكرية الذاتيه لا لاي قبيلة ننتمي ؟. اذا كنت أستطيع تقبل حيرة السيد سمارت  في اي  مجموعات الضغط  الاجتماعي اقوى تلك القائمة على ارث قبلي او تلك القائمة على المنافع  الاقتصادية  فكيف ليّ أن أتقبل هذه الحيرة من امرأة قطرية مفترض بها معرفة بواطن الامور التي تسيرنا كقطريين ام انها ارادت ان تهيل ضربا على  القبيله او " البردعة " كما يقول المصريين ؟
إنني على ثقة بأن المبادئ المدنية لا يُمكن أن تُبنى على العلاقات والمعارف الشخصية بمختلف أنواعها؛  تعتبر "شخصنة" المسائل العامة  تحديًا قائمًا  في المجتمعات الصغيرة التي تتطلع للتحول الديمقراطي؛ إلا أنه من غير المستحيل - إن توافرت لدينا الرغبة - تكوين مجموعة من القواعد التي تعزز مفهوم المواطنة . الوطن الواحد الذي يجمع الجميع  ويعاملهم على ذات الاسس والمعايير . 
على الرغم من ان العلاقات المجتمعيه في الماضي  كانت قائمة على اساس القرابة والتنظيم القبلي  الا انها  كانت تسير على منظومة من القيم العاليه التي يلعب عنصر الجداره والنخوة للفرد  اي ما يسمى بمجموعة القيم " سلوم القبائل " التي لا يجرأ اي فرد على مناقضتها والدوس عليها .  لقد تغيرت آليات المجتمع القبلي المتكافئ الذي اعتدنا عليه . وأُهملت تماما  وتغيرت آليات بناء الثروة  والسمعه والنفوذ  الاجتماعي الى آليات قائمة على الفردية والانتهازية والمصالح الخاصة التي توجه اتجاهات السلوك الاجتماعي.  ولهذا فكثير ما نسمع هذه الايام المثل القائل " النار ما ترث الا الرماد " تحسرا على المنظومات البائده .
من اهم الكتب المثيرة للتفكر حول تطور سلوك المجتمعات  في التاريخ البشري،  كتاب "العنف والتنظيم الاجتماعي "  وهو إطار عمل نظري  لدراسة ووصف التاريخ البشري الموثق ، للكاتب دوجلاس سي ونورث وآخرين. ويعرض نورث ومشاركيه الدليل التاريخي على الآلية التي تتحول بها المجتمعات  من مجتمعات , ما تهيأ  واتيح لمجموع الافراد فيها من فرص وامكانيات مقيد ومحدود  ومعتمد بالدرجة الاولى على قائمة على الروابط  الشخصية إلى مجتمعات تكون " المتاحات " فيها مفتوحه للجميع  " هذا الميدان ياحميدان " ويكون السبق الاجتماعي بين فرد وآخر قائم على العناصر الموضوعيه للفرد . . كما يوضح هؤلاء في كتابهم هذا  سبب تحول  العديد من المجتمعات من مجتمعات زراعية أو رعوية إلى ما يُطلق عليه الان مجتمعات متطورة "حديثة" تُعقد فيها الانتخابات بصفة دورية، الا  انها فشلت في حقيقة الامر في الوصول الى  تحول ديمقراطي حقيقي. وأكدوا على أن " الانتخابات  بحد ذاتها لا تقدم ديمقراطية اصيله . و يتعدى الامر آلية الانتخابات  الى ضرورة وجود  حرية التنظيم  ووجود  المعتقدات  والمؤسسات اللازمه  لتحقيق  مجتمع مفتوح  " المتاحات " ايا كان شكلها   من فرص اقتصاديه واجتماعيه  لكل فرد وبنفس  المعايير الموضوعيه مما يكفل التنافس  السياسي بين افراد ومؤسسات المجتمع وهذا الذي يعبر عن معنى الديموقراطيه . (8 )
وقد يخلط البعض هذا القول بغيره، في أن مجتمعاتنا في دول مجلس التعاون الخليجي لم تصل إلى "النضج الديمقراطي"  المنشود – وهذه  فكرة بالغة الإزعاج - لأن إتباع هذا الزعم لن ينتج عنه سوى تجميد التطور والانفتاح الاجتماعي الداخلي الى الابد .
ان مقولة نورث ورفاقه مقولة نوعيه حيث انه حدد كافة الظروف  والشروط الضرورية التي  يجب ان تصاحب وتتلازم مع اي عمليه ديمقراطيه حنى تكون ديموقراطيه صادقه . ومن بين  ما حددوه  لتحول المجتمعات من مجتمعات  "مغلقة المتاحات " الى مجتمعات " مقيدة المتاحات "  الى مجتمعات  "مفتوحة المتاحات "  او بشكل مختصرلا يتجذرالانفتاح الاجتماعي الداخلي الا : بسيادة القانون  وفوقيته على الجميع ، واتاحة المنظمات المدنية والمنشئات والرخص الاقتصادية للجميع  وتحويل مجموعة الفرص المتاحه  من شبكات المعارف  الشخصية إلى المجموعات الاجتماعيه غير الشخصيه التي تتعامل مع الفرد  بنفس المعايير الموضوعية (9) . ويحضرني هنا سواسية الافراد كأسنان المشط التي حدثنا به  محمد صلى الله عليه وسلم .
نشر الاستاذ عبد العزيز بن محمد الخاطر، وهو كاتب قطري مشهور، مقالة في الثامن والعشرين من أبريل  2011 في جريدة الوطن ينبأ بها عن  تضاؤل الطبقه الوسطى في دول مجلس التعاون الخليجي حيث توجد  طبقه واحدة تستطيع الوصول بسهولة الى الفائض الاقتصادي مقارنة بالفئات الأخرى. وذكر أنه على الرغم من عدم تلاشي الطبقه الوسطى بعد ,  كما تلاشت في مجتمعات عربية أخرى، إلا أنها تتآكل باستمرار. وانا أتفق معه حول  وجود ظاهرة التآكل  وتسارعها مع الزمن  . وأعتقد أن تحليله لاحقا "للعلاقة المتشابكة" بين"الطبقة الحاكمة" و "الطبقة المحكومة" هو تحليل صائب .   وان هذه العلاقة بين  الحاكم والمحكوم  تاريخية  او تحترم التاريخ وهي في منتهى الأهمية لاستمرار النظم السياسية الحالية في دول مجلس التعاون الخليجي. وقد حذر الخاطر من أنه في حالة استمرار التآكل فقد نواجه باستقطاب اجتماعي - اقتصادي قد يقضي على استقرار هذه المجتمعات. وأود أن أضيف أن تصنيف المجتمع القطري او الخليجي  إلى طبقات  قد يخفى أحيانًا على المحلل  الخارجي, نتيجة وحدة الجذور العرقية للمجتمع , من ينتمي فينا لاي طبقه ؟ . فنحن نرى حدوث الاستقطاب فعليًا داخل نفس الأسر ونفس القبائل إلا أنه مستتر على الأقل حتى الآن تحت غطاء وحدة الجذور او ما أود أن أُطلق عليه عامل "الشارة" او الرمز . ويُحير عامل الشارة المراقب الخارجي في تحديد من يمثل من ؟ او من يعبر عن من ؟ كما سبق وبينا. وبغض النظر عن تقاسم الشارة، او الرمز  كتقاسم الاسم الأسري والقبلي، فانه يمكننا  اليوم أن نرى مثلا من جانب مجموعة الافراد المعتمدة على الاجر  والراتب كمصدر للدخل  ومن جانب آخر نرى مجموعات من افراد انتهازيه و "فهلويه " تقبض على "المتاحات " من فرص اجتماعيه واقتصاديه ونموشخصي على جميع الحسابات الاجتماعيه  ونرى هاتين الفئتين في كل قبيلة وفي كل عشيرة واسره .
ومن بين المقالات الهامة حول دائرة "المتاح" من جمعيات وتنظيمات مدنيه  ، ما كتبه د. حسن السيد  في مدونته.   وتعتبر آراء د. حسن وهو قاض قطري بمحكمة مركز قطر للمال  وعميد سابق  لكلية الحقوق بجامعة قطر   ومن بين أكثر الآراء القطريه مهنية  على الشبكة العالميه العنكبوتيه و أمانةً  , وأفضلها  عرضا. فقد كتب في الثاني والعشرين من فبراير 2011 مقالاً بعنوان "تهافت القوانين"، يُشير من خلاله  إلى ضرورة إعادة النظر في الأحكام والقوانين التي قد تحد من اتاحة فرصة التنظيمات  الاجتماعيه المدنيه  في حين "تتيح"  بشكل  ما  نمو الجمعيات الخيريه الطابع .  (10)
أعتقد أنه من بين الخطوات اللازمة لردع ردود الافعال  التي "تشخصن" و " تصم بالنعوت  مشوهة "  اي رأي مستقل  يتحدث عن السياسات  والقضايا العامة التي هي ملك الجميع  في مجتمعنا الصغير  هذا  , تلك التي تقوم على  حماية الكُتاب القطريين من الأضرار والمخاطر الناتجة عن ضعف التشريعات أو الناتجة عن التفسيرات الفرديه والشخصيه عند تطبيق القانون. وتعتبر الخطوة الاولى لهذه الحماية ان نستبدل  القانون رقم 8 لسنة 1979 بقانون اخر يعكس  بحق الدور الإقليمي القطري في دعم الديمقراطية العربية الوليده .
الخطوة الثانيه ان نبدأ  بتكوين الروابط المدنية عامة وبصفة خاصة تلك  التي تحمى حق الكتابه والتعبير عن الرأي وتلك التي تعود الفرد وتنشئه على ممارسة الحوار وتقبل الرأي الآخر.  هذا شرط اساسي وهو من باب توفير  الظروف اللازمة لاكتمال تحقق ديمقراطية ناجحة.
لا يُمكن أن تُبنى الديمقراطية في  اي مكان تعتمد فيه " المتاحات " ويعتمد فيه  النمو الفردي على  معايير وشبكة المعارف الشخصية ، وتخلط المعاييرالسائده ما بين  الهوية الشخصيه  والهويه الاجتماعية للفرد ، وتُفقد  هوية أي  وظيفة رسميه   نظرًا لهيمنة  وسطوة الهوية الشخصية  لشاغل المنصب على هوية الوظيفة ذاتها .
اذا استطعنا ان نسير بخطوات  واضحة  بعيدا عن " شخصنة المجتمع " يمكن عندها ان يحل  التعاضد  المدني الوطني محل التعاضد القبلي  العرقي الذي تلاشي  شيئا فشيئا ,  وان نفوت  الفرصه على الترابط والتعاضد الفهلوي  الانتهازي المتنامي  هذه الايام والذي  يمكن ان يفت في عضد التضامن الاجتماعي في المدى الطويل.

Comments

Popular Posts